موقف الموحدة المعارض لقانون شارع 6 | مقال تحليلي

فالح حبيب

محلل سياسي


بقلم: فالح حبيب
​​​​​​​
ساعة مسائية، ليلة ما قبل موعد التصويت، أحاول مِن خلالها استيضاح موقف الموحدة من قانون "تخفيض رسوم شارع 6 عند الازدحامات وأعمال الصيانة" للقائمة المشتركة، ومع أكثر مِن مصدر، لكن هناك مَن تعمّد عدم الادلاء بأي تصريحات أو تسريبات بعكس ما جرت العادة معي، فكل ما تمكنت من الحصول عليه مَن أحد أبرز قادة الموحدة أنهم "لم يحسموا موقفهم بعد، وأنهم سيبلورون موقف صباح يوم التصويت، الأربعاء"، رغم أن صاحب القانون النائب أحمد طيبي صرّح لي ولغيري أن الموحدة التزمت له بدعم القانون، وقد تعمّد تصريح ذلك علنًا لحاجة اِلالزام العلنيّ.
 هنا بدأت أُدرك أن الدعم المُتوقع غير مفهوم ضمنا، وبعكس ما يعتقد البعض داخل المشتركة ليس مضمونًا ("مسوجر")؛ ليقطع الشك باليقين لدي صباحًا رئيس القائمة العربية الموحدة النائب منصور عباس، عندما كتب لي أنه بصدد طرح معادلة تعاون مشترك جديدة سيعرضها بكامل تفاصيلها مع الزميل نادر أبو تامر خلال برنامج أجندة وكتب:

"نحن مستعدون للتعاون المتبادل مع المشتركة من موقعهم في المعارضة"

على المشتركة أن يتعاونوا معنا ومع الائتلاف بدلًا من التعاون مع الليكود، أما أن تسعى لضرب الائتلاف دائمًا وتتوقع دعمنا، لا يمكننا فعل ذلك وفرم الانضباط الائتلافيّ كل مرة من جديد! لا نطلب منهم ترك المعارضة، ولكن على الأقل دعم الائتلاف بالقضايا الجامعة.

إذا المشتركة مستعدة أن تتعاون مع الائتلاف بشكل محدود من موقعهم في المعارضة، سنكون كائتلاف على استعداد تام للتعاون معهم.

لا يوجد شيء مجاني، سندعم القانون مقابل فتح صفحة جديدة من التعاون في المرحلة القادمة"، فلماذا خرج النائب منصور عباس في هذا التصريح، وفاجأ به حتى النائب أحمد طيبي صاحب القانون على الهواء مباشرة ساعات قبل التصويت؟


لم تكن لتُطرح لو لم يكن هناك قرار مسبق بعدم التصويت، فهي تمهيد للرأي العام وتحضيره مسبقا من خلال تأمين ملاذ آمن

هنا أدركت بشكل كامل أن الموحدة، وبعكس تعهدها، لن تصوّت لصالح القانون.

المعادلة التي طرحها النائب منصور عباس هي جارفة شاملة وعامة، ليست فقط في جزئية قانون "شارع 6" للنائب أحمد طيبي، بل هي قاعدة عمل عامة تسري على كل مشاريع القوانين التي ستطرحها المشتركة حتى مستقبلا.
 فرض قواعد عمل واضحة وشروط معروفة مسبقا، وذلك بات واضحًا أنه يأتي من أجل الاستمرار بتعزيز الثقة مع باقي الشركاء في الائتلاف على حساب المشتركة، وبهذا تحاول بالمقابل الموحدة قطع الطريق أمام أي تعاون بين يمين المعارضة ويمين الائتلاف واعتبارات أخرى، لأن الموحدة تُدرك أن "فرم" وعدم الانضباط بقرارات الائتلاف من شأنه أن يمنح الشرعية للآخرين القيام بذلك في القضايا التي تخصهم وسيطرحونها أو إخراجها مِن دائرة التأثير من خلال الاعتماد على أحزاب يمين المعارضة في كل ما يخص قضايا اليمين، والموحدة تتبع فقه جلب المصالح وفي نفس الوقت درء المفاسد، فهي لا تريد أن تفقد دورها فيما يمكنها منعه أيضًا.

تصريح النائب منصور عباس لا تفسير له غير أنه تراجع، تراجع مدروس محسوب سعت من خلاله الموحدة عدم الوقوع في دائرة الحرج، فوضعت طلب مقابل طلب، استغلال (ابتزاز) سياسي واضح، وكأن لسان حال النائب منصور عباس يقول: ما في مشكلة نتعاون معكم ونساعدكم، ولكن بالمقابل ساعدونا، خذوا واعطوا.

للوهلة الأولى يبدو مطلب شرعي بديهي في العلاقات بين البشر والأحزاب، ولكن عميقا هناك استمرار لضرب وتعطيل دور المشتركة كمعارضة شرسة مِن موقعها في المعارضة، على الرغم من أن النائب منصور عباس أكد أكثر من مرة خلال تصريحاته لي وكذلك للزميل نادر، لا نريد منهم ترك المعارضة ولكن نريد تعاونهم معنا بشكل محدود دون مناكفتنا.

معادلة التعاون المشروط هذه كانت بمثابة مفاجأة صادمة، بل صاعقة للمشتركة فلم يعقب النائب أحمد طيبي كما عقّب لو لم تكن مفاجأتهم كبيرة، وكبيرة جدًا:

"يؤسفني سماع لهجة المقايضة معنا. مقايضة مع زميل ونائب عربي حول مصلحة عامة! هل طلبنا منهم مقابل أو قمنا بمقايضة عندما صوتنا لصالح قانون الكهرباء؟"

المشتركة فهمت مباشرة أن هناك تراجع وهناك مَن يحاول ركل الكرة إلى ملعبها لإعفاء نفسه من حرج التعهد. 
انتبهوا للجملة: "هل طلبنا منهم مقابل أو قمنا بمقايضة عندما صوتنا لصالح قانون الكهرباء"! هذه الجملة فيها عتب كبير على الموحدة ولفت انتباه أن الاشقاء يجب أن يحافظوا على الأقل، حتى وإن كانت المنافسة حرب طاحنة، على حد أدنى مِن التعاون والثقة وعدم كسر قواعد التعاون الأخير وعدم اغلاق أي باب لتعاون حتى وإن كان مشقوقا بشكل صغير.

مفاجأة المشتركة كانت كبيرة وبنفس الحجم والقدر جاء العتب.

معادلة تعاون ملغومة تهدف لإحداث شرخ في المشتركة، ليُسأل السؤال، ما الذي جد ولماذا بالتحديد طُرحت المعادلة عند قانون يخص العربية للتغيير على وجه الخصوص؟

باعتقادي المتواضع، معادلة النائب منصور عباس ملغومة وفيها محاولة لإحداث شرخ وضعضعة داخل المشتركة، لماذا وكيف؟

حتى وإن تحاول وتسعى الموحدة وضع التصريحات في اطار مبادرة جديدة للتعاون المتبادل مع المشتركة من موقعهم في المعارضة، بحيث تتوقف المشتركة عن التعاون مع الليكود وتبدأ تتعاون مع الائتلاف، أي تعطي شبكة أمان للحكومة.

هذه المعادلة التي اقترحها النائب منصور عباس تبدو للوهلة الأولى عامة لكل المشتركة، ولكنها رسالة خاصة أيضًا وتفعيل ضغط على العربية للتغيير بالتحديد.

لماذا؟ الموحدة لا حرج لديها من التعاون مع العربية للتغيير والنائبين أحمد طيبي وأسامة السعدي، هناك مَن حاول استغلال القانون الخاص بالعربية للتغيير وانتظر لتمرير هذه الرسالة على ما يبدو لتحقيق هذه الغاية، غاية أن تتحول "التغيير" لشبكة أمان، خاصة وفي مرات عديدة نوابها أبدوا برغماتية وليونة فيما يصب في الصالح العام، لكن يبدو فاته أو مقصودة، وكنت نشرت مقالا موسعا في وقت سابق في الشأن، أنه يحدث شرخًا داخل المشتركة ولربما هذا المقصود أيضا، نقل "الحرب" لتكون داخلية، داخل المشتركة.


شارع 6 مزدحم والسير فيه بطيء، تماما كما هو حال إنجازات الموحدة! بعد الأزمة ورفض التعديلات، البناء والكهرباء في الطريق


قانون آخر مهم للمجتمع العربي يبدو حتى اللحظة متعثرا في لجنة الداخلية وحماية البيئة. رئيس اللجنة النائب وليد طه بعد استخلاص العبر ودراسة قانون التنظيم والبناء - ربط البيوت بالكهرباء والمشاورات المهنية التي قام بها، أجرى تعديلات على القانون المذكور عند طرحه في جلسة اللجنة الأخيرة، سرعان ما فهمتها وزيرة الداخلية "آيليت شاكيد" على أنها مصادرة واضحة لصلاحياتها أو تقليصها بأقل تقدير، لتُبدي معارضتها الشديدة وتنجح بتجنيد الائتلاف الذي أكد أنه سيصوّت ضد القانون بحالة وأُجري عليه تصويت في اللجنة قبل التوصل لتسويات، ليتراجع النائب وليد طه وينتظر ساعة الصفر المناسبة، وبعد مداولات والتوصل للوهلة الأولى لتفاهمات أو ربما لا، سيُطرح القانون للتصويت عليه يوم الأثنين المقبل وقد أُدرج الموضوع على جدول أعمال اللجنة.

ليؤكد لي مصدر كبير في الموحدة: موقف شاكيد لا يُخيفنا، بموافقتها وعدمها، سنُصادق على القانون ليُطرح للتصويت بالقراءات الثلاث.

في الموحدة صوّتوا ضد قانون تمديد عمل لجنة التنظيم والبناء في حريش الخاص بشاكيد كاحتجاج منهم على تعنتها وبعكس موقف الائتلاف، وباعتقادي كان هذا أيضا ضغط واحتجاج "مفتعل" استغلت الموحدة "نقطة الخلاف" هذه لتتملص من الانضباط الائتلافيّ، فالموحدة كانت ضد قانون حريش وتمديد عمل اللجنة، وكانت لا بد أنها ستُصوّت ضده لا عباراتها السياسية والمجتمعية بدون أي علاقة.

وما بين هذا وذاك، المواطن بالنهاية يريد أن يُعمّر بيته ويقوم بالبناء ويربط بيته بالكهرباء، فهل سيكون له ذلك؟ وحده الزمن سيمنحنا الإجابة، رغم أن المؤشرات إيجابية والقانون على النار يُطبخ بحذر وحكمة مع الأخذ بعين الاعتبار مبنى الائتلاف الحساس والهش.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023